الخميس، 13 سبتمبر 2012

أحمد سليم جوهر يكتب: عبقرية محمد صلى الله عليه وسلم.. وحماقة هؤلاء

أحمد سليم جوهر يكتب: عبقرية محمد صلى الله عليه وسلم.. وحماقة هؤلاء

 أرشيفية


فى مجتمع مسلم قائده سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وفى فترة من الزمن لم تعرف الدنيا فيها كلمة مواطنة أو كلمة دولة بالشكل الذى تعرفه الآن، فى عالم دينى قَبَلى لا يعرف الحضارة، فى زمان ومكان آخر، فى عصر وسياق تاريخى فريد، برزت الشريعة الإسلامية جزءًا من المشهد، برزت كحل لمشكلات متكررة أعاقت بناء الدولة الإسلامية، بناء المجتمع، والشخصية الاعتبارية المسلمة التى لا يمكن فصلها عن الدولة حينها، برزت إجابة لحاجة حقيقية للتنظيم، حاجة حقيقية للقوة، للاتحاد، للسطوة، للثراء، حاجة حقيقية للنجاح، ولكن كل شىء تغير، من طريقتنا فى ارتداء الملابس حتى طريقتنا فى التواصل، فى الفهم، فى الإيمان وفى التنظيم المجتمعى، شكل العالم الآن يختلف عن شكله منذ ألف عام، مضمون العالم الآن يختلف عن مضمونه منذ ألف عام، كل شىء تغير، الآن وبعد أن وصل العالم لمرحلة من النضج حيث لم يعد دينك ما يعرف عنك ولا أنت يجب أن تقدم نفسك للعالم على أنك مسلم أو يهودى أو مسيحى أو غير ذلك، عالم يكفيه جواز سفرك، اسم الدولة التى تنتمى لها، ورمز الوطن الذى يحددك ويعرفك وتعرف نفسك من خلاله، اختلفت حاجاتنا. وبالتالى المنهج الذى خاطب حاجاتنا منذ ألف عام يبدو عاجزًا عن مخاطبة حاجات الآن، الحاجات التى يتشارك فيها العالم أجمع، الحاجة للحرية، الحاجة للعدالة، الحاجة للمساواة، الحاجة لدولة تُعلى من شأن الإنسان وتُعامل حاجاته الثلاث تلك بقدسية وتتمحور حولها دولة تحميها، تفرضها وتعدل بيننا فى توزيعها، الشريعة كانت منهجًا لإدارة الدولة الإسلامية، منهجًا خاطب حاجات مسلم عاش ومات منذ ألف عام، الشريعة منهج إدارى خاطب حاجات الدولة الإسلامية منذ ألف عام، حاجات مجتمع قبلى غير منظم لا يملك مقومات الدولة حتى بالمقاييس الفقيرة السائدة فى تلك الفترة، مجتمع بدائى فى كل جوانبه، حاجات لم تعد موجودة الآن، ولو طبقت فى أى دولة متعددة الثقافات والإثنيَّات والأديان لكانت مبررًا لسقوط تلك الدولة، مبررًا لعزلها، لتخلفها، لعجزها عن إيجاد مكان لها فى العالم، الشريعة تعنى منظومة معايير تعرف الناس وتعاملهم على أساس شيء آخر غير المواطنة، الشريعة تعرف المواطنين كمسلمين وغير مسلمين فى عالم أسقط ذلك التعريف من أجندته.

الشريعة التى تدخل لدولة متعددة الأديان توصل لوطن واحد وشعبين مسلمين وغير مسلمين، وعلى غير المسلمين الاحتكام لشرائعهم ولا تحتاج لمجهود حتى يبدأ الشعبان البحث عن وطنين، تفتح الباب لدولتين دينيتين يلعب الدين فيهما الدور المحورى الذى تقوم عليه ولأجله الدولة، وهو نموذج من زمن آخر للدول، أو لأشباه الدول بمقاييس عالمنا اليوم.

الشريعة منظومة قوانين تهدف لنشر قيم يراد فرضها بالقوة وإجبار الآخرين على تبنيها لتتصادم مع أهم تلك القيم، ألا وهى قيمة الحرية.

لقد وضع سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - التعريف الأشمل والأوسع للإسلام فى حديثه: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". وهنا نحتاج قدرًا من الخيال لنحقق فهمًا أعمق للإسلام، فهمًا أعمق للشريعة مستخدمين المدخل النبوى المعطى لنا فى الحديث الشريف، لنتخيل لو بُعث سيدنا محمد الآن هل كان ليبدأ من حيث وصل العالم فى الحقوق والأنظمة المعيارية والأخلاقية أم كان ليهدم كل ذلك ليبدأ من الصفر؟

لقد قدم سيدنا محمد للعالم العبقرية فى فهم عالمه والعبقرية فى صياغة منهجه الذى يتعامل مع الواقع بهدف تغييره وضع الحجر الأول وترك التطور يأخذ مجراه ليصل بعالمنا لما نحن فيه الآن، والذى سيتغير مستقبلاً لما يخاطب شعوب المستقبل وعقلهم الجمعى وما يحاكى آمالاً جديدة لهم ومخاوف لم نعرفها بعد، ويحقق نوعًا آخر من السعى لتحقيق العدالة، نوعًا آخر من العدالة التى تخاطب وعيهم وفهمهم وتطورهم، وللغرابة لم يستفد مسلمو اليوم من معجزة الأمس التى أبقت لها أثرًا فى وجدان العالم أجمع، ومن المثير للسخرية يود مسلمو اليوم أن يمتد تخلفهم ليؤثر فى غيرهم، ليؤثر فى أسلافهم بإعطاء المثل السيئ لمسلمى المستقبل بجمودهم ورغبتهم فى اجترار ماضيهم بما يحرمهم من ثمار ذلك التطور، لقد خطا سيدنا محمد بالإيمان الخطوة الأولى التى غيرت العالم ولم تَزَلْ، ولكن من تبعه حتى الأيام الأخيرة للدولة الإسلامية اكتفى بجنى ثمرة حكم العالم، اكتفى بالإمبراطورية ولم يتقدم كثيرًا فى مسار تغيير العالم، ولا يزال يقدم من يتبنى وجهة النظر الأصولية المتشددة المبنية على النقل لا الفهم، المكتفية فقط بالغناء بتطبيق شرع الله، الصدمة التى تود إرجاع العالم لألف سنة أخرى مضت. وليس أصدق من توصيف الشيخ محمد الغزالى - رحمه الله - الذى مازال يعبر بصدق ونزاهة عن حالنا نحن المسلمين: "إن الإسلام قضية رابحة ولكنَّ محاميها فاشلون".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق